استضافت الحملة سمـاحة العلاّمـة الـسيد محمد رياض الحكيم
إعداد / مـهـدي الجـشـي
ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لحملة نور العترة استضافت الحملة سمـاحة العلاّمـة الـسيد محمد رياض الحكيم نجل المرجع آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم ، وقـد عبّر سماحته في بداية اللقاء عن سروره بلقاء الإخوة الأعزاء والأخوات الكريمات ، وبارك لهم التوفيق لحضور هذا الموسم .
وقـد دار حديث سماحته حول قوله تعالى : (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
وقال بأن القرآن كتاب هداية (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم) ، وقد يقول القائل : بأنّ النبي "ص" هو الذي يتكفّل بهداية الأمّة ، ويتحمّل مسؤوليّة التبليغ والإرشاد (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) ، فما هو الدور الذي يؤدّيه القرآن الكريم إلى جانب النبي "ص" ؟ وما الفراغ الذي يملؤه القرآن بالرغم من وجود النبي ؟
وأشار في معرض إجابته على هذا التساؤل : أن القرآن باعتباره نصًّا مُتَيَقَّنًا ومحفوظًا يكون مرجعًا للأجيال ، ولا تُثار حوله الشُبُهات والإثارات ، وعند الرجوع إلى سبب نزول هذه الآية فإنه ورد أنّ المسلمين جاءوا للنبي "ص" وطرحوا عليه أجرًا في مقابل جهوده وأتعابه وجهاده ، فنزلت هذه الآيـة الكريمة ، وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى نُكتتين :
• النُكْتة الأولى : أنّ أجـر الرسـالة جُعِلَ مودّة أهل البيت "ع" ، لكنّ هذا الطلب لم يكن من النبيّ مباشرةً ، وإنّما كان توجيهًا إلهيًّا للنبيّ .
• النُكْتة الثانية : أنّ موضوع أجر الرسالة لا يقتصر على نبيّنا المصطفى "ص" وأمته المسلمة ، وإنما طُرِحَ على أنبياء سابقين مِن قِبَلِ أممهم (فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ) ، والآيات تؤكّد أنّ الأنبياء لا يطلبون أجـرًا ، وإنّما أجرهم على الله سبحانه وتعالى ، ولكن عندما نأتي إلى النبي "ص" نجده أنه يُطرح هذا الأجـر (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ، فالله سبحانه وتعالى قد اختار واصطفى جميع الأنبياء ، وجميعهم لم يطلبوا شيئًا مِن أممهم ، فكيف يكون الأمـر بالنبي المصطفى "ص" ، وهو أفضل الأنبياء ، وهو المضحّي الأكـبر ، وهو الأشرف ، وهو الأقرب لله سبحانه وتعالى ؟
الجواب على ذلك يتمثّل في أنّ الموضوع لا يرتبط بقضيّة شخصيّة ومحبّة قلبيّة ، وإنما يرتبط بموقف الأمّة تجاه العترة ، فالشخص الذي يُقدّم خدمةً لشخصٍ أو لجماعةٍ يستحقّ على الآخرين أنْ يحفظوا جهده ، والأجـر الذي ينتظره كلّ شخص يُقدّم خدمةً يكون حفظها بأداء حقّها ، فبعض الرسالات محدودة الزمن ، فبمجرد أن يُغادر النبيّ أمّته تتهاوى تلك الأمم وقد يستمرّ بعضها لفترات قصيرة ثم تزول ، ولمّا كانت رسالة الإسلام رسالةً خالدةً لا تقتصر على أمدٍ معيّن ، ولا رسالة بعدها تنسخ وتُنهي فترة تلك الرسالة ومفعولها ، كان لها خصوصيّة ، فعلى الرغم من مضي الكثير منذ أن ارتحل النبي "ص" إلى الرفيق الأعلى ، ومرور هذه القرون الكثيرة والظروف والمحن والتحدّيات والمصاعب ، لكن مع ذلك بَقِيَت هذه الشعلة محفوظةً ببركة الدور الذي قام بـه أهل البيت "ع" كُلٌّ في زمانه ، وبالخصوصيّة التي كان عليها ، فالنبيّ "ص" يُريد أنْ يُحفظ جهدُه في الأمّة حتى تبقى هذه الرسالة قابلةً للديمومة والوصول للأجيال المتعاقبة ، ويتمثّل ذلك في حِفْظ الأمّة تلك المسـيرة والصـراط المستقيم ، لذلك جـاء التوجيـه الرّبّاني (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) لأنّ العترة هم الذين يمثّلون الديمومة .
ومن هنا نعلم بأنّ هذا الطلب ليس طلبًا عاطفيًّا من النبي "ص" تجاه أسرته وعترته ، وإنّما لأجل الحفاظ على تلك المـسيرة ، وعلى تلك الأتعاب والجهود والهدف الذي من أجله بذل النبي "ص" كلّ شيء .
مِن هنا علينا أنْ نتدبّر في آيات الله سبحانه وتعالى ، فبعض الناس يتساءل ويقول : لماذا نجد في القرآن تكرارًا ؟ ولماذا لم يُكتَب القرآن بصياغةٍ قانونيّةٍ مثل كتابة الدستور ؟
والجواب على ذلك : أنّ القرآن لو كُتِبَ بصياغةٍ قانونيّةٍ لما تحوّل إلى شعار إسلامي يُحْفَظُ في كُلِّ بيتٍ ، ولاختصَّ بالمختصِّين فقط .
يقول الإمام علي "ع" (هذا القرآن على ثلاثة أصناف : صنفٌ يفهمه كُلُّ إنسان ، وصنفٌ آخـرٌ لا يفهمه إلا مَن لهف حسّه ، وصنفٌ ثالثٌ اختصَّ بـه أهله) وهم أهل البيت "ع" .
فالقرآن يبقى مرجعًا للأمّـة بكلِّ طبقاتها وشرائحها ومستوياتها ، وفي نفس الوقت هو توأمٌ مع أهل البيت "ع" ، ولذلك ورد التأكـيد في القرآن الكريم على التدبّر فيه ، وفي نفس الوقت ورد التأكـيد على مراجعة أهل البيت فيه .
وفي ختام محاضرته سأل سماحته المولى جلّ وعلا أنْ يوفّق الجميع لقراءة القرآن ، والمداومة على قراءته ، والتدبّر فيه ، والانتهال من نمـيره .
لاتوجد تعليقات بعد
الجمعة 24 محرم 1434هـ
الموافق 7 ديسمبر 2012م